دار الاحزان ادارية في منتدى شباب البصرة
عدد المساهمات : 185 نقاط : 5347 السٌّمعَة : 2
| موضوع: من مغترب الى أمه الإثنين أكتوبر 04, 2010 3:19 pm | |
| "إلى أمي"
تحيّةً ... و قبلة و ليس عندي ما أقولُ بعد من أينَ أبتدي ؟ .. و أينَ أنتهي ؟ و دورةُ الزمانِ دونَ حدّْ و كلُّ ما في غربتي زوادةٌ ، فيها رغيفٌ يابسٌ ، ووَجد ودفترٌ يحملُ عني بعضَ ما حمَلت من أين أبتدي ؟ و كلّ ما قيلَ و ما يقالُ بعدَ غد لا ينتهي بضمّة.. أو لمسةٍ من يدْ لا يرجعُ الغريبُ للديارْ لا تنزلُ الأمطارْ لا ينبتُ الريشُ على جناحِ طيرٍ ضائعٍ .. منهّد من أينَ أبتدي تحيّة .. و قبلةً.. و بعدْ .. أقولُ للمذياعِ ... قلْ لها أنا بخير أقولُ للعصفورِ إن صادفتها يا طير لا تنسني ، و قل : بخير أنا بخير أنا بخير ما زالَ في عيني بصر ! ما زالَ في السّما قمر ! و ثوبيَ العتيقَ ، حتى الآنَ ، ما اندثرْ تمزقت أطرافُه لكنني رتقتُه... و لم يزلْ بخير و صرتُ شاباً جاورَ العشرين تصوّريني ... صرتُ في العشرين و صرتُ كالشّبابِ يا أماه أواجهُ الحياه و أحملُ العبءَ كما الرجالُ يحملون و أشتغلْ في مطعمٍ ... و أغسلُ الصحونْ و أصنعُ القهوةَ للزبون و ألصقُ البسماتِ فوقَ وجهيَ الحزينْ ليفرحَ الزبون *** أنا بخير أنا بخير عندي رغيفٌ أسمر و سلةٌ صغيرةٌ من الخضار أنا بخير.. *** سمعتُ في المذياعِ قالَ الجميعُ : كلنا بخير لا أحدَ حزين ؛ فكيف حالُ والدي ألم يزلْ كعهدِهِ ، يحبُّ ذكرَ الله و الأبناء .. و التراب .. و الزيتون ؟ و كيف حالُ إخوتي هل أصبحوا موظفين ؟ سمعتُ يوماً والدي يقول : سيصبحونَ كلُّهمْ معلَّمين ... سمعتُه يقولْ ( أجوعُ حتى أشتريَ لهم كتاب ) لا أحدَ في قريتي يفكُّ حرفاً في خطابْ و كيفَ حالُ أختنا هل كبُرت .. و جاءَها خطّاب ؟ و كيف حالُ جدّتي ألم تزلْ كعهدِها تقعدُ عندَ الباب ؟ تدعو لنا بالخيرِ ... و الشبابِ ... و الثواب ! و كيفَ حالُ بيتِنا و العتبةِ الملساءِ ... و الوجاقِ ... و الأبواب ! ***
هل يذكرُ المساء مهاجراً أتى هنا... و لم يعد إلى الوطن ؟ أماه يا أماه لمن كتبتُ هذه الأوراق أيُّ بريدٍ ذاهبٍ يحملُها ؟ سدّت طريقُ البرّ و البحار و الآفاق ... و أنتِ يا أماه ووالدي ، و إخوتي ، و الأهلُ ، و الرفاق ... لعلّكم أحياءْ لعلّكم أمواتْ لعلّكم مثلي بلا عنوان؟!
محمود درويش | |
|