siشذرات من
تاريخ الشعر الشعبي العراقي -1-ج



إن " الفتـرة المظلمـة" التي مره
بها تاريخ العراق الثقافي الممتدة من منتصف القرن 7 - 9 الهجري/13-15 ميلادي،هي
التي انتكس فيها الأدب العربي منـكفأً على ذاتـه، حيث برزت في هذا الأدب أشـكال
شعـرية ، مزخرفة بنظم يعتمد الجناس اللفظي فيها على تزويقات
الكلام.


وصار الإهتمام بالشكل أكثر من المضمون ممـّا حـدا بنقـاد الأدب
لأن يحكموا على أدب تلك الفترة بهبوط مستوياته الى الحضيض، ما خلا بعض الإلتماعات
التي كانت تبرز بشكل فردي عند بعض الشعراء ، أجادوا النظم وحافظوا على عمود
القصيدة، رغم أن " موجة الهـبوط" قد أثـّرت عليهم وبانت في شعرهم، الاّ أنهـم نجـوا
من حبالها بإبـداعهم الشعري، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: صفي الدين الحلي في
العـراق والبهـاء زهـير في مصـر وغيرهم.

لكن اللاّفت في تلك الفترة، هـو
صعود أشكال من النظم الشعبي ، في شعر العـامة من الناس، وخصوصاً في العـراق، أخذ
يطل برأسه بقوة ملحوظة، وكأنه يثـأر من تلك الحالة ويستفزها للنهـوض مجـدداً، حيث
ظهرت هذه الأشكال من النظم بشـكل ربــاعي، أي منظومات شعرية تعتمد على أربـعـة
أبيـات، ثم تطور بعض هــذه الأشكال الى خمسة أبيـات، ثم ستة، ثم ظهـر النظم
السباعي، والذي أطلق عليه فيما بعـد" المـوال الزهـيري"

وكانت هذه الألوان
من الشعر العامي يطلق عليها إسـم"فـنون الشعر السبعة الملـحونـة" أي التي تخرج عن
حـدود قواعد اللغة العربية، واللحن يظهر فيها واضحاً، وقـد رصـدها بعمق الشـاعر صفي
الـدين الحـلي

( 677- 750 هـ/ 1277 - 1349م

وقال عنها"أن هذه الفنون
السبعة منها ثلاث منها معربة أبـداً لايغتفر اللحن فيها وهي: الشعر القريض والموشح
والدوبيت، ومنها ثلاث ملحـونة أبـدا وهي: الزجـل والكـان وكان والقـومـا، ومنها
واحـد هـو البرزخ بينهما ، يحتمل الإعراب واللحـن، وإنما اللّـحن فيه أحسـن
وألــيـق، وهـــو " المـواليـا" وإنما كان يحتمل الإعراب، وهو من عدد هذه الفنون
الأربعة الملحونة، لأنـه أوّل ما اخترعـه الـواسـطيون ، إقتطعـوه من " بحر البسـيط"
وجعلوه معها كالشعر البسيط، إلاّ أنه كل بيتين منها أربعـة أقفـال، بقـافية واحـدة،
وتغـزلوا فيه، ومـدحوا وهجـوا، والجميع معـرب، الى أن وصل الى البغــاددة،
فلطـّفـوه ولحـّنوه، وسلكوا فيه غاية لاتـدرك" .،ثم يضيف في مكان آخرمن نفس
الكتاب:" وإنما سمي بهذا الإسم،لأن الواسطيين لمـّا اخترعوه، وكان سهل التناول
لقصره، تعـلـّمه عبيدهـم المتسلمون عمارة بسـاتينهم ، والفعـول والمعاصرة
والأبـّـارون، فكانوا يغنون به في رؤوس النخيل وعلى سقي الميـاه، ويقولون في آخر كل
صوت مع الترنيم " يـامـواليـا" إشارة الى سادتهم، فغلب هذا الإسم وعرف
بـه.

من هـذا النص الهـام للحـلـّي، نكتشف أن " الشعر الشعبي" هـو للعامة
أقرب، وهم إليه أحفظ ،ولفـنونه أبـدع، لأن عقـل العامة من الناس الى ما يسـلـّيهم
أميل، ولفنونه ألصق، فهم يتعاطونه في كل لحظة من لحظات حياتهم، بمعنى آخر، أن
التعبير بمثل هذه الألوان الشعرية، هـو أثبت في البيئة الشعبية العامـة أكثر منه في
البيئة الخاصة، وليس اعتبـاطاً أن تصنـّف فنون هذا الشعربـ" الشعر العـامي". إذن
هـو هوية مميـّزة لإبداعهـم ، توحـّد في نفوسهم في كل مراحل الحياة، وأصبح هو
لسانهم الناطق والمعبـّر عن ذواتهـم في كل حادث منـزل ومكـتوب،وبـه تفـرّدوا عن
صفـوة المجتمع، وحافظوا على تطويرأساليبه في كل مرحلة، بل كانوا السبـّاقين الى
ابـتداع أشكال فنيـّة ليماشوا بها حالة التطور والرقي المصاحب لنهضة المجتمع،
بمعنىً آخر،أن حالة الإبداع في الشعر الشعبي العراقي هي أسرع منها في حركة تطور
الشعر الفصيح، فتنوع الألوان الشعرية في النظم العـامي أكثر منها في النظم الفصيح،
ولربما كانت هذه الظاهـرة الفريدة في المنافسـة بين " الشـعرين" هي أحـد الأسباب
التي جعلت من السـياب( 1926- 1964 ) ونـازك الملائـكة
(1934-2006 ) وشعراء
الحـداثة الآخرون في العـراق لأن يجـدّدوا في شكل منظوماتهم الشعرية ويبـدعـوا
القصيدة الحـرة والحـديثـة.



إن المتابع لحركة ظهور الشعـر الشعبي في
العراق يمكنه أن يتوقف مع بدايات القرن الثامن عشر الميلادي، إذ ان حالة السيطرة
العثمانية على مقدرات العـراق، وإبقـاءه على جهله وأميـّته، وسيادة نمط الإقتصاد
الزراعي، وسيطرة الإقطاعيين على أغلب الأرضي الزراعية، الأمر الذي ولـّد العسف على
الفلاحين وعـوائلهم ، فراحت هذه الطبقة الإجتماعية تعكس معاناتها من خلال الشعر
الشعبي، نظرا لتفشيه بين أبنائها بشكل عجيب.

وقد كان" للمـوال" الدور
الرئيسي في تطورأنماطه الشعرية المعروفة وكذلك لبقية الأنماط الشعرية الأخرى في نظم
العامـة، إذ أن أهـل العراق قد تعاطوا في نظمه بعد القرن العاشر الهجري/ السادس عشر
الميلادي، رغم أن ولادته كانت في عصر الرشيد العباسي، إلاّ أن شكل التعاطي به ،
بصورة شعبية وملحوظة كان في تلك الفترة أعلاه، أي ق 10 هـ/ 16 م ، حيث سطى وساد على
بقية الأنواع، وتخطـّى بـه ناظـموه الى غايات ومديات لا توصف من النظم .

فقد
إنوجدت ثلاثة ألوان منه هي: الـرباعي والأعـرج والنعماني، وكان الـرباعي أقـدمها
ظهوراً، حيث يعود تاريخه الى القرن الثاتي الهجري/ الثامن الميلادي، فيما اكتمل
تطور شعر المـوال الزهـيري،ذو السبعة أشطر،في القرن 13 هـ/19 م ، فقد عثر على مثـال
لهـذا اللـون من الموال- الزهيري- كنصّ قـديم منسوب الى الشيخ محمد رضـا النحـوي(
منتصف ق 12 - 1226 هـ) والذي يـؤرخ فيه عام وفاة السيد محمد علي العطـّار عام
1202هـ يقول فيه ناظمـه:


كَوّضت يامكسر العنبر وغيرك غرب
وعليك أنا
الثاجله والناس غيري غرب
وبكَيت أناشد، ودمعي ماركَت له غرب
فاجد خيال الذي،
مازال قدره علي
بدر الكمال الذي، صبّ المصايب علي
وآكَول وين إنتَ ياسيّد
محمّد علي
ما شوف ذاك البدر كَال المؤرّخ
غرب
[/size]